ملتقى الاحبه
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

تقول الألسنه ما تحجبه القلوب ( اعتراف)

اذهب الى الأسفل

تقول الألسنه ما تحجبه القلوب ( اعتراف) Empty تقول الألسنه ما تحجبه القلوب ( اعتراف)

مُساهمة من طرف عاشق ولكن الإثنين 24 مارس 2008 - 22:56

ألمانيا… المآذن تعلو الصوامع

بقلم الأستاذ / محمد السماك
يواجه المسلمون في ألمانيا (الذين يقدّر عددهم بحوالى ثلاثة ملايين ومعظمهم من أصول تركية) مشكلة مع الحكومة الألمانية. فقد أقاموا مسجداً كبيراً لهم في مدينة كولونيا بعد أن حصلوا على الترخيص بذلك من الدوائر الحكومية والبلدية المختصة. ولما شرعوا في بناء المئذنة بدأت صرخات الاحتجاج تسابق المئذنة بالارتفاع. فالمسجد من حيث المساحة يبدو أوسع من كاتدرائية المدينة. والمئذنة مصممة لتكون أكثر ارتفاعاً من صومعة الكاتدرائية.
لم يتقبّل الألمان هذه الظاهرة، حتى أن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل (ويعني اسمها “الملاك المعجزة”) أدلت بتصريح قالت فيه ما ترجمته بالحرف: “لا يجوز أن ترتفع في ألمانيا مآذن دور عبادة المسلمين على أبراج الكنائس“. لقد استجابت المستشارة الألمانية بذلك ليس فقط لخلفيتها الدينية، فهي ابنة كاهن لوثري من الجزء الشرقي من ألمانيا، ولكنها استجابت أيضاً لمطالب المحافظين المتشددين في ولاية بافاريا، وخاصة لحركة بروكولونيا (أي من أجل كولونيا) المتطرفة.
هناك قضية جوهرية وهي الاعتراف بالإسلام ديناً، والسماح للمسلمين الألمان بممارسة شعائرهم الدينية بحرّية، بما في ذلك بناء المساجد. وبالفعل فهناك 900 مسجد ومصلى في ألمانيا معظمها بإدارة المسلمين الأتراك.
ولكن هناك قضية شكلية وهي مدى ارتفاع المآذن. وقد أشار إلى ذلك بيان القمة الإسلامية الأخيرة في داكار بالسنغال. ذلك أن هذه القضية بدأت تصب الزيت على نار الاضطرابات المتولدة من ظاهرة الإسلاموفوبيا في العديد من الدول الأوروبية.
إن ارتفاع المئذنة ليس هو ما يرفع من قيمة الإسلام، كما أن انخفاضها لا يخفض من قيمته. وإذا كان من المؤسف أن تقف الدولة الألمانية أمام شكلية طول المئذنة بعد أن وافقت على مبدأ بنائها، فإن من المؤسف أيضاً، أن يقف المسلمون الألمان أمام هذه الشكلية أيضاً لإثارة قلق وغضب مواطنيهم الآخرين من أهل البلاد الأصليين.
أعادت هذه القضية إلى الذاكرة قصة بناء المسجد الكبير في روما. وهي قصة أنقلها عن البابا الراحل يوحنا بولس الثاني كما رواها لي أثناء عشاء خاص أقامه في شقته في الفاتيكان خلال مؤتمر السينودس حول لبنان في عام 1994. قال لي البابا: “إن محافظ مدينة روما طلب مقابلته لأمر ضروري ومستعجل، ولما استقبله البابا أبلغه المحافظ أنه تلقى مذكرة من سفراء الدول الإسلامية في إيطاليا -عبر وزارة الخارجية الإيطالية- يطالبون فيها بالسماح لهم بالعمل على بناء مسجد في روما”.
وقال المحافظ للبابا إن وزارة الخارجية طلبت منه مراجعة الفاتيكان قبل أن يرد على مذكرة السفراء المسلمين. وذلك لأن لروما موقعاً خاصاً باعتبارها عاصمة الكثلكة في العالم، وأن إقامة مسجد فيها لابد أن تثير إشكاليات معقدة، الأمر الذي يتطلّب التنسيق مع الفاتيكان. وعندما انتهى محافظ روما من عرض القضية على البابا، قدّم له صورة عن المذكرة الإسلامية وعن رسالة وزارة الخارجية. تلقى البابا الرسالتين، وأعاد قراءتهما باهتمام شديد ثم قال للمحافظ: “يا بني، أنا لا أشجعك فقط على الاستجابة لطلب السفراء المسلمين ببناء مسجد في روما، بل إنني أتمنى عليك أن تقدم لهم الأرض اللازمة لبناء المسجد على سبيل الهِبة”. وهكذا كان.
ويقوم اليوم مسجد روما على تلة واسعة من الصنوبر فوق مساحة من الأرض قدمتها بلدية روما هبة. ويتضمن المسجد مركزاً ثقافياً واجتماعياً إسلامياً كبيراً ونادياً رياضياً. كان طبيعياً أن يشيّد المسلمون مئذنة للمسجد، ولكن نظراً لوجود المسجد فوق تلة مرتفعة فقد بدا وكأن المئذنة ستكون أكثر ارتفاعاً من صومعة القديس بطرس. هنا جاء من يلفت نظر المسؤولين عن بناء المسجد إلى وجوب تجنّب هذا الأمر. ففي روما لا يرتفع أي رمز ديني فوق كنيسة القديس بطرس. ومن حسن الحظ أن المسلمين في روما استوعبوا بسرعة هذه القضية وأعادوا النظر في تصميم ارتفاع المئذنة بما يحترم هذه المشاعر المسيحية، واستطاعوا بذلك أن يميزوا بين الجوهر والشكل. الجوهر بمعنى السماح لهم ببناء مسجد في روما. والشكل بألا ترتفع مئذنة المسجد أكثر من صومعة القديس بطرس.
من المؤسف أن هذا الأمر الذي حدث في روما بإيطاليا لم يحدث في مدينة كولونيا في ألمانيا. الأمر الذي أثار، وما يزال يثير الكثير من ردود الفعل السلبية في وقت أحوج ما يكون فيه المسلمون الألمان -ومعظمهم من أصول تركية- إلى كسب ودّ واحترام وثقة الرأي العام. فالعلاقة الحميمة بين المسلمين وسائر المواطنين الآخرين في ألمانيا أهم من ارتفاع المئذنة. ذلك أن إقامة علاقات إسلامية- مسيحية على أساس الاحترام المتبادل خاصة في دولة غربية كبرى مثل ألمانيا هي قضية جوهرية. أما مدى ارتفاع المئذنة فهو أمر شكلي. فالمهم هو أن ألمانيا قالت نعم لبناء المسجد مع مئذنته، ولكن ليس من الحكمة أن يشكل ارتفاع المئذنة تحدياً للمشاعر الدينية وحتى القومية للألمان الآخرين!
لقد أدى الاختلاف حول مدى ارتفاع المئذنة (وليس حول مبدأ تشييدها) إلى ردود فعل سلبية أساءت إلى صورة المسلمين الألمان بشكل متعمد. حتى أن وزير الداخلية ولفغانغ شوبيليه نسب إلى ما وصفه دراسة علمية “أنه يوجد بين كل أربعة مسلمين ألمان إرهابي محتمل”. وقد بدا هذا الإعلان للوزير وكأنه كان مقصوداً للإساءة إلى المسلمين ليس في مضمونه فحسب، وإنما في توقيته كذلك. وهو ما أشارت إليه إذاعة “يوتوبيا” المحلية التي وصفت كلام وزير الداخلية بأنه “استحضار للتاريخ النازي الألماني والذي يستبدل فيه مسلمي الحاضر بيهود الأمس”، على حد قول الإذاعة.
مع ذلك، فإن الوزير نفسه قدّم اقتراحاً إلى حكومته ينصّ على تدريس الإسلام إلى جانب المسيحية واليهودية في المدارس الحكومية الألمانية، مشترطاً أن تكون لغة التدريس الألمانية.
وحتى المحاضرة (السيئة الذكر) التي ألقاها البابا بنديكتوس السادس عشر في جامعة ريجنسبرغ في 12/9/2006 تأثرت إلى حد ما بهذه الخلفية. وكان البابا قد اجتمع في مدينة كولونيا بممثلي المسلمين الألمان قبيل إلقاء المحاضرة.. وكانت قضية المسجد ومئذنته مطروحة على نطاق واسع في ذلك الوقت.
لقد دعا البابا في المحاضرة إلى الحوار وهذا أمر جوهري، ولكنه استشهد بحوار جرى في القرن الرابع عشر بين إمبراطور بيزنطي ومثقف فارسي مسلم، وأبرز كلاماً سلبياً وافترائياً عن الإسلام، الأمر الذي أدى إلى طغيان الشكل على الجوهر، فكانت ردة الفعل الإسلامية وكان الجرح الذي لم يندمل بعد حتى الآن. ومن تداعيات ذلك أن فريقاً من الاختصاصيين في قسم العلوم الجنائية في كلية الحقوق بجامعة هامبورغ أعدوا دراسة عن المسلمين الألمان، قالوا فيها إن 40 في المئة من المسلمين الألمان يرفضون الديمقراطية ودولة القانون، وإنهم يتقبلون أعمال العنف ويبررونها، وذلك بالرغم من أن الدراسة ذاتها تؤكد أن تسعين في المئة من هؤلاء المسلمين الألمان يرفضون الإرهاب.
ومهما يكن من أمر هذه الدراسة ومدى علاقتها بردود الفعل المتعلقة بالمسجد الكبير في كولونيا ومئذنته، فإن الحكومة الألمانية قرّرت ابتداء من مطلع هذا العام 2008 إطلاق أول مشروع للاهتمام بالأئمة، حيث ستقوم بتنظيم دورة لتثقيف أئمة المساجد سياسياً واجتماعياً ومساعدتهم في التعرف على المجتمع المحيط بصورة أفضل، وذلك في إطار ما تصفه السلطات المختصة بـ”برامج الاهتمام بدمج الأقلية المسلمة بالمجتمع الألماني، وتحسين وسائل الاتصال بينها وبين الإدارات الرسمية ومنظمات المجتمع المحلي”.
وتقام هذه الدورة بإشراف مفوضية الاندماج في حكومة ولاية برلين والأكاديمية الإسلامية في العاصمة الألمانية ومنتدى الإسلام المكون من 12 ممثلاً للمنظمات الإسلامية في برلين و11 وزيراً ومسؤولاً حكومياً وست شخصيات عامة في الولاية.
تستغرق الدورة 32 أسبوعاً تتم خلالها دراسة تاريخ ألمانيا والنظامين السياسي والتعليمي المعمول بهما وقوانين العمل والتدريب المهني، والأسرة والضمان الاجتماعي والتأمين الصحي ورعاية العجائز والمسنين. كما تتضمن الدورة -التي ستموّل أنشطتها من ميزانية خاصة تساهم فيها حكومة برلين المحلية والحكومة الاتحادية ومجموعة من المؤسسات الوقفية الألمانية- زيارة لبرلمان برلين المحلي ومكاتب الخدمات والاستشارات العامة بوزارات الولاية ومؤسساتها المختلفة.
وتذكر نائبة مدير الأكاديمية الإسلامية في برلين والمشرفة على الدورة التثقيفية الدكتورة ريم شبيلهاوس أن أئمة المساجد يجدون بعد وصولهم إلى ألمانيا أن مؤهلاتهم الدراسية ومعلوماتهم الدينية المجردة غير كافية للتعامل مع واقعهم الجديد الذي لم تكن لديهم معرفة مسبقة به، وهنا تأتي هذه الدورة لتطوير قدراتهم وتوظيفها في حلّ المشكلات الإدارية والاجتماعية للمصلّين وروّاد المراكز الإسلامية.
لم ينتشر الإسلام في العالم بالسيف ولا بالتحدي. ولم تكن أداة انتشاره التمسك بالمظاهر وبالشكليات على حساب الجوهر. ومن الأسس الجوهرية لانتشاره الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة والقول السديد والجدال بالتي هي أحسن.
*نقلا عن جريدة “الاتحاد” الإماراتية
عاشق ولكن
عاشق ولكن

عدد الرسائل : 81
العمر : 43
الموقع : https://ebadelrahman.mam9.com
تاريخ التسجيل : 19/03/2008

https://ebadelrahman.mam9.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى